بين ذكرى التأسيس وموجات الخراب – “طرابلس”_العاصمة تنزف كما الحال مع كل مدن الوطن الليبي !

خاص قورينا
جاءت مشاركة فايز السراج، رئيس حكومة ميليشيات الوفاق في الاحتفال بمرور 150 سنة على تأسيس العاصمة طرابلس ، ليثير موجة عارمة من السخرية في مختلف الأوساط الشعبية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا كان من حق أهل ليبيا الاحتفال بحزن بذكرى تأسيس عاصمتهم ، وسط الخراب والدمار، فقد كان واجبًا على السراج الاعتذار عن حضور الحفل والصمت عن الكلام.
وشتان بين العاصمة طرابلس، التي كانت واحدة من أجمل المدن العربية والعواصم الأفريقية ودرة الشمال الأفريقي، وقت النظام الجماهيري وكان الجميع يتحاكون بأنوراها وبهاءها كمدينة عفّية، ترمز لحكم وطني قوي، يتقدمه القائد الشهيد معمر القذافي. وبين مدينة بائسة لم تفارق “مربع أسوأ مدن العيش في العالم” طوال السنوات العشر الماضية.
الغريب أن السراج وهو يرى بعينيه حجم الدمار والخراب ومواجهات الميليشيات التي أسسها. وقف في ثبات يحسد عليه ليقول:( إنه واعٍ بما مرت به بلدية طرابلس من منعطفات وتجارب، خلال مراحل وحقب تاريخية تعاقبت على إدارتها. منذ تأسيسها في ديسمبر سنة 1870. وأن المتأمل، لمسار بلدية طرابلس، يتلمس تطور الخدمات عبر الجهد المتراكم لمن تولوا مسؤولية إدارتها منذ التأسيس، والذي مكن بلديتها من تجاوز الكثير من الأزمات والعقبات والمختنقات!!)
وادعى السراج فى خطابه البائس ، ( إن بلدية طرابلس لم تكن أبداً معزولة عن ما يجري حولها، وهي مساهم فعال في نهضة الوطن، كما تصلها ارتدادات الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد)!
والمؤكد أن السراج كان يتحدث عن مدينة أخرى غير طرابلس.. فأين هى الخدمات التي يتحاكى بها ؟ وأين البناء الذي سار هو فيه منذ مجيئه عبر اتفاق الصخيرات المشؤوم عام 2015.
وطوال السنوات الماضية، شهدت العاصمة طرابلس، حالة من الفوضى العارمة، نظرا لتزايد وبشكل كبير الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها المرتزقة والمليشيات من جنسيات مختلفة سواء كانوا سوريين أو تشاديين.
وقبل أسابيع قليلة، خرج مئات من الليبيين، في العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية، احتجاجا على تردي الاوضاع المعيشية وسيطرة المليشيات المسلحة والمرتزقة، وتفشي الفساد داخل القطاعات والمؤسسات، وتوّقف الخدمات العامة للناس خاصة أزمة الكهرباء وتأخر الرواتب ووجود انفلات أمني غير مسبوق.
فالعاصمة طرابلس، تحت حكم مليشيات السراج، تسودها الفوضى والجرائم اليومية والاختطاف مقابل الفدية، والقتل والقبض على الهوية والإخفاء القسري وابتزاز المواطنيين واقتحام منازلهم، وتغول مليشيات الجويلي من جنسيات إفريقية مختلفة مع ميلشيات السراج. وتحولت إلى مستنقع ملىء بالعصابات المسلحة ولا أمن على الإطلاق.
وهو ما رصدته التقارير الأممية المتعددة “الربع سنوية” حول حالة ليبيا. فطرابلس تعاني التدهور بمستويات تنذر بالخطر، والخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والمياه والكهرباء، في حالة من التردي وإنتاج المياه يتسم بالهشاشة، والعصابات المسلحة تستسهل سرقة أسلاك الكهرباء وإشاعة الظلام، وتستهل الاعتداء على النهر الصناعي العظيم وتعطيش العاصمة مثلما حدث في منتصف يونيو 2020 الماضي.علاوة علاوة على ندرة الوقود داخل العاصمة، لوجود عصابات تهريب منظمة .
ورصدت تقارير أممية حجم الوقود المهرب في العاصمة طرابلس سنويا بنحو 750 مليون دولار على أقل تقدير.ويضاف لهذا كله تدهور العاصمة، التي تحولت إلى مخيم كبير للاجئين.
وأكد يوسف جلالة، وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجّريت بالحكومة غير الشرعية، إن عدد مَن تمكنوا من العودة لمنازلهم من النازحين جراء الحرب ، لا يتجاوز بأي حال نسبة 25% فقط، رغم توقف العمليات القتالية في يونيو2020 الماضي. فالدمار الكبير الذي أصاب أغلبية المنازل بمناطق الاشتباكات في ضواحي العاصمة، والذي امتد أيضاً للمرافق العامة، من مراكز صحية ومؤسسات تعليمية وغيرها من أساسيات الحياة، فضلاً عن تهالك البنية التحتية من شبكات كهرباء ومياه وصرف صحي، كل هذا جعل العاصمة غير صالحة للعيش فيها وتحتاج الى اعادة اعمار كما كشف أن ما لايقل عن 40 ألف أسرة في العاصمة طرابلس بحاجة الى مساعدات وتعيش ظروفاً بالغة الصعوبة.
وفي إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، حول تطورات الأوضاع بليبيا، نوفمبر الماضي، قالت رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، أن عدد النازحين في ليبيا وصل إلى 392 ألف شخص!
وهذا بالطبع ليس كافيا لكي يعرف السراج جراء جريمته وحكمه المهترىء وضعف سيطرته، فقد حلت العاصمة الليبية طرابلس في المرتبة الرابعة على قائمة أقل مدن العالم ملائمة للعيش 2019، والذي تعده إكونوميست إنتلجنس يونيت، وقبلها في نفس المراكز الأولي لأسوأ المدن طوال أعوام 2016 و2017 و2018.
وبعد كل هذا يشارك السراج، في عيد تأسيس طرابلس ! إنة ليس عيداً للتأسيس بل يوما ًللخراب والدمار الأكبر لأحد المدن العزيزة في الوطن الليبي الذي يبكي على حاله وحال مدنه كلها أبناء الشعب .