اقتحام “مقر الرئاسي” يفضح تغول الميليشيات وتهديدها الحكومة والانتخابات المقبلة

على مدى قرابة الشهرين الماضيين، بدا الشارع الليبي في حالة قلق وتوجس من القادم في البلاد. صحيح إنه كانت هناك سعادة بمغادرة حكومة ميليشيات الوفاق منصبها، وتسليم حكومة الثني مهامها لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، التي يترأسها الدبيبة، ويشغل رئاسة المجلس الرئاسي لها محمد المنفي، لكن كان السؤال الضاغط، كيف تعيش هذه الحكومة على لغم؟
وكيف ستمارس مهامها أمام ميليشيات في الغرب لم تتجاوب معها، ولم تتزحزح عن أماكنها. وأمام قوات الكرامة التي يقودها حفتر في الشرق، ولا تعترف بها وأعاقتها عن عقد اجتماع لها في بنغازي.
وجاءت الساعات الماضية “حبلى” بالمفاجات بعدما اقتحمت جماعات ميليشياوية مسلحة فندقا يمارس فيه المجلس الرئاسي مهامه، ووجهت تهديدات مباشرة للمنفي إن لم يتراجع عن قراره تعيين حسين العائب رئيسا لجهاز المخابرات بدلا من الميليشيوي، عماد الطرابلسي، وان لم يقم بإقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش لأنها تجرأت اكثر من مرة، وطالبت بإنهاء ملف المرتزقة السوريين الذين يديرهم الاحتلال التركي في ليبيا.
هذه الحادثة فجرت الأسئلة، حول مستقبل هذه الحكومة ومصيرها أمام ميليشيات لم يجرؤ أي أحد حتى الآن على كسر قرار لها أو فرضه عليها.
وكانت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، قالت إن ميليشيات مسلحة اقتحمت “فندق كورنتيا”، لكنها أشارت أيضا إلى عدم وجود أحد من المجلس الرئاسي في المبنى في ذلك الوقت وأن الجميع بخير.
http:// https://www.skynewsarabia.com/images/v1/2021/05/08/1435793/600/600/1-1435793.jpeg
في حين قال مدير مكتب محمد المنفي، محمد المبروك، في تسجيل مصور: ويبدو أنه كان تحت ضغط واكراه الميليشيات، لأنه قاله في حضورها: إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة.
وأضاف المبروك، أن بعض الجماعات، دخلت الفندق أثناء وجوده به وكان لديها اعتراض على برنامج أو قرار معين ولم تكن تحمل أي سلاح وكانت تريد لقاء رئيس المجلس، لكنه لم يكن موجودا بالفندق.
وواصل المبروك: أنفي ما خرجت به بعض وسائل الإعلام.. لم يكن هناك خطف ولم يكن هناك إطلاق نار أو الاعتداء على شخصي أو الاعتداء على الفندق. وكشف المبروك، أن المنفي سيجتمع مع عدد من أعضاء “الجماعات المعنية” على حد قوله.
وفي الوقت الذي التزم فيه رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، حتى اللحظة، عبد الدبيبة عدم التعليق على الحادث ويبدو إنه كان يرد على موقف مماثل للمنفي، إذ لم يعلق فيه على منع طائرة الدبيبة من الهبوط في بنغازي.
http:// https://www.skynewsarabia.com/images/v1/2021/05/08/1435794/600/600/1-1435794.jpeg
فقد تفجر هذا التمرد، عقب اجتماع لقادة الميليشيا المسلحة التابعة لما يسمى “بركان الغضب”، في ضيافة رئيس جهاز المخابرات المقال، عماد الطرابلسي، للرد على تصريح وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي دعت من خلاله إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، والتعبير عن رفضهم لقرار “الرئاسي” تعيين اللواء العايب على رأس جهاز المخابرات خلفا للطرابلسي.
لكن الحقيقة بعيدًا عن بعض التصريحات المزعومة، التي تريد بث الاطمئنان، أظهرت لقطات مصورة لحظة هجوم عناصر مسلحة ميليشاوية، على مقر المجلس الرئاسي، في فندق “كورنثيا” بالعاصمة طرابلس وتطويق محيطه بالكامل بالعشرات من العربات العسكرية المجهزّة وسيارات رباعية الدفع.
http://https://www.nafeza2world.com/temp/resized/medium_2021-03-13-d2eeb339b2.jpg
وطالب أحد المتحدثين في الفيديو، بتفتيش كل السيارات المارة متسائلا: “أين المنقوش؟”، يقصد وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش؟!!
كما ظهر الميليشيوي، محمد الحصان آمر الكتيبة 166، وهو يدعو إلى حشد قوّة مسلحة وتجهيزها لمحاصرة مقر “الرئاسي” ووزارة الداخلية، حتّى تنفيذ هذه المطالب، وسط حالة من الغضب في صفوفهم بسبب قرار المنفي، تعيين “العايب” على رأس جهاز المخابرات.
اللافت، أن تحرك الميليشيات نحو مقر “الرئاسي”، جاء بعد دعوة مفتى الارهاب، الصادق الغرياني، ميليشيا “بركان الغضب” للخروج ضدّ وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ووصفها بـ”الوقحة التي تخدم مشروع العدو”، على حد قوله، وذلك على خلفية دعوتها إلى خروج القوات التركية والمرتزقة من ليبيا.
وعلق المحلل السياسي، عزالدين عقيل، إن الميليشيات كانت تسعى إلى استخدام “المخابرات” في جمع معلومات وأعمال مشبوهة، وهو ما فجر الوضع حاليا، لدى الإعلان عن الإطاحة بالطرابلسي.
ولفت عقيل، وفق ما نقلته “سكاي نيوز عربية”، أن هذه الأعمال المشبوهة تتعلق بالتخطيط للفوز بالانتخابات المقرر عقدها في شهر ديسمبر المقبل، لكي تستمر في بقائها كـ”سلطة أمر واقع” يعاني منها الليبيين. وشدد عقيل على أن أزمة ليبيا لن تنتهي قبل القضاء على الميليشيات.
فيما علق الباحث السياسي محمد قشوط، إن الميليشيات غاضبة بسبب سطوتها على جهاز المخابرات، وأنها أدركت أخيرا أنها الخاسرة بعدما نضج المسار السياسي في البلاد، ورأت أن هناك توجه دولي يحول دون اندلاع حرب جديدة، وهو ما تسعى لحدوثه لأنها لا تجد ملاذا سوى في الفوضى، كما أن مسألة الذهاب إلى الانتخابات، لا يخدمها لأنها ترى في التسوية السياسية خطر يداهمها.
من جانبها قالت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي، إن اقتحام المسلحين لمؤسسات الدولة وانتهاك سيادة القانون مشهد متكرر في كل أرجاء البلاد ولن يُحل بنقل مؤسسات الحكومة من مدينة الى أخرى لاسيما اذا كانت هي الأخرى تحت سطوة جماعات مسلحة أخرى.
وأضافت لنقي، في تدوينة على حسابها بموقع “فيس بوك”: الحل هو معالجة شاملة جذرية لملف جمع السلاح وتفكيك الكتائب وإصلاح المؤسسة الأمنية بدعم دولي حقيقي.
ويعد “العايب” أحد ضباط جهاز الأمن الخارجي القدماء.
والخلاصة.. فوضع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، أصعب من وضع حكومة السراج، التي كانت عمليا متوافقة مع الميليشيات، حيث كانت تحيا تحت أجنحتها.
وعليه فخطر الميليشيات، يبدو أكبر أو مماثل تمامًا لخطر المرتزقة، على استقرار ليبيا وعملية الانتقال الديمقراطي المرتقبة بها.