
في السنوات التي سبقت سقوط الدولة في ليبيا2011، كان القائد الشهيد معمر القذافي يعي تمامًا العلم خطورة التنظيمات المتطرفة، التي تشملها عباءة تنظيم الإخوان في ليبيا.
وكانت ضخامة التجربة السياسية للقائد الشهيد، رحمه الله ومعاركه الضخمة ضد قوى الرجعية والاستعمار ودراسته جيدًا للمشهد الليبي قبل ثورة الفاتح العظيم 1969، تؤكد له تمامًا أن مثل هذه التنظيمات المتشددة التي ظهرت لأول مرة على يد الإرهابي حسن البنا، في مصر وسلسلة “القطبيين” نسبة إلى الارهابي سيد قطب، لا تعبر من قريب أو بعيد عن دولة وطنية.
فخطابها يظهر من الداخل أولاً عبر أشخاص محسوبون عليها، لكن تحركاتها في المشهد وتحالفاتها بعد ذلك وأجنداتها موجهة من الخارج في إطار ما يسمونه بـ “عالمية الإسلام”- وهم أبعد الناس عن الاسلام وتعاليمه، من هنا كانت السياسة القوية للقائد الشهيد معمر القذافي رحمه الله مع التنظيمات المتطرفة، وفوقها جميعًا “تنظيم الإخوان”، الذي تخرجت منه فيما بعد تنظيمات القاعدة وفرعها “الجماعة الليبية المقاتلة”، وغيرها تؤكد إنه لا مجال لهؤلاء في ليبيا ولا يسمح لهم بشىء، وهذا ليس معاداة للديمقراطية ولكنه حفاظ على الوطن الليبي من التفتت ومن أن تقوده وتحركه “أجندات الإخوان الخارجية”.
وبعد نكبة فبراير 2011 وسقوط الدولة، كان تنظيم الإخوان الذي فرض نفسه عبر “عملاء ومرتزقة تابعون لحلف الناتو الصليبي”، يتحينون الفرصة للانقاض على الوطن بعد استشهاد القائد، ويرون أن هذه فرصتهم لاقامة مشروعهم، وبالخصوص بعدما تفجرت أنذاك وقبل ليبيا ما سمي بموجة الربيع العربي في كل من تونس ولحقتها مصر.
وفي الداخل الليبي، وقبل أن يسطّر الجيش العربي الليبي معركة باسلة أمام حلف الناتو وجيوش 40 دولة طوال عام 2011، وبعد النكبة حتى استشهاد القائد في أكتوبر 2011، كان تنظيم الإخوان يُمهد للسيطرة والتغلغل عبر مختلف مؤسسات الدولة الليبية والتحالف جهارًا نهارا مع القوى الدموية التي أعادت تنظيم صفوفها أثناء حملة الناتو على ليبيا.
في هذه الأثناء وكما يرى خبراء ومحللون، انتهزت قوى الإسلام السياسي أمثال علي الصلابي ومفتي الدم الصادق الغرياني وسليمان دوغة والإرهابي عبد الحكيم بلحاج والإرهابي سامي الساعدي وغيرهم في نفس البوتقة، انهيار الوطن – وقد تعاونوا في ذلك مع حلف الناتو- ليقفزوا على المشهد الليبي بسرعة مستعينيين بخبرات دولية عبر التنظيم الدولي للإخوان.
ويشير الباحث السياسي، فوزي نجم، أنه في الوقت الذي كان الجميع – من أتباع الناتو وقطر- منشغلين بالمعركة ضد الجيش العربي الليبي الصامد والقائد الشهيد معمر القذافي، كان الإخوان بخبرتهم وعلاقاتهم الدولية الواسعة، يعرفون أن هذه المسألة محسومة في دوائر القرار الدولي- مؤامرة محبوكة وستستمر حتى تحقيق أهدافها بإسقاط ليبيا وقياداتها التاريخية- وبدأوا يتجهزون لما بعدها بـ التغلغل في مؤسسات الدولة السيادية والهيمنة على المؤسسات الاقتصادية، بل وفي إعداد الأذرع العسكرية الموالية لاستخدامها للوصول إلى السلطة إذا ما دعت الحاجة، وهو ماحدث لاحقاً بالفعل.
من جانبه قال الصحفي والمحلل محمد بزازة، ان التجربة والخبرة والدعم الخارجي لتنظيم الإخوان في ليبيا، لعبا دوراً بارزاً في ترجيح كفتهم على خصومهم السياسيين، بعد سقوط ليبيا مباشرة، وكما قال لـ”اندبندنت عربية”، فقد ظهرت هوة واسعة بين تجربة الإخوان السياسية وخصومهم، منذ أول انتخابات في ليبيا، بعدما لعبوا “لعبة ماكرة” لكسب أول معركة بعد النكبة، بضغطهم لسن قوانين انتخابية خطيرة، ظهرت نتائجها فيما بعد، ففي انتخابات 2012 وبعد سن قانون انتخابي 40% للأحزاب و60 % للمستقلين وبعدما ظهرت النتائج، لم يحصل الإخوان ظاهريا سوى على 17 مقعدًا، لكن إذا بأغلبية المستقلين الذين نجحوا موالون لهم، فمن أصل 200 مقعد في برلمان المؤتمر العام 80 مقعدا للأحزاب و120 مقعدا للمستقلين، فإن الأغلبية الحقيقية جاءت بعد ظهور “ميول المستقلين” لتؤكد أنهم سرقوا انتخابات ليبيا الأولى بعد النكبة بقوانين فصلوها لخدمتهم.
أما في عام 2014، وبعد ظهور خسارتهم الفادحة للانتخابات، وبعدما أيقن الليبيون لعبتهم فقد انقلبوا عليها بعد حصولهم على 30 مقعدًا فقط، وعبر ميليشيات “فجر ليبيا” التي عبّرت عن الأحزاب الخاسرة والإخوان أقوى الموجودين بها جرى حرق العاصمة طرابلس، وعمليات قتال واغتيالات وبدء الحرب الأهلية المريرة في ليبيا عبر الأذرع العسكرية والميليشياوية التي جهزها تنظيم الإخوان في ليبيا بعد سقوط الدولة مباشرة 2011.
وطوال الفترة من 2014-2020، سيطر تنظيم الإخوان عبر مجموعة من المحسوبين عليه على مختلف المناصب السيادية في ليبيا، وفي مقدمتها منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة ومؤسسة النفط، وجرى نهب ما لايقل عن 270 مليار دولار في عامين من 2018-2020 لم يظهر لها أي أثر على الأرض، فعبر السيطرة على أموال النفط، عبر مصطفى صنع الله، وهو محسوب على تنظيم الإخوان وعبر تواجد الصديق الكبير في مصرف ليبيا المركزي، ومن خلال جسم سايسي غريب هو المجلس الأعلى للإخوان “الدولة الاستشاري” جرى وضع ليبيا في آتون الحرب الأهلية، سنوات عدة.
ودون أن تتضح بعد وبشكل كامل الأهداف التي انطوي عليها، قيام تنظيم الإخوان مؤخرًا بتغيير اسمه إلى “جماعة الإحياء والتجديد”، وتفسير البعض أن ذلك يعود للمناورة عبر الانتخابات القادمة المقررة 24 ديسمبر المقبل، ورؤية أخرين أن تغيير الإسم هدفه الهروب من أي عقوبات قد تفرض مستقبلاً على كيان تنظيم إخوان ليبيا.
فإن المعركة الأكثر بروزًا على الساحة في ليبيا الآن، هى معركة تعطيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة من جانب تنظيم الإخوان في ليبيا وعبر مجلس الإخوان الأعلى “الدولة الاستشاري”.
وكما قال كوبيش، رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا أمام مجلس الأمن قبل ساعات، فهو قلق من تداعيات عرقلة المسار السياسي والخلافات المتزايدة بين الأطراف الليبية، واتهم كوبيش: أطرافا في ليبيا بتعمد هذا التعطيل واستمرار الانقسام بالقول: إن قوى الوضع القائم السابقة والقادمة تستخدم تكتيكا، وأحيانا حججا لا تؤدي سوى إلى نتيجة واحدة تتمثل في إعاقة إجراء الانتخابات، ومنها الدفع بتقديم الاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات (مطلب الدستور أولا)، وتوحيد المؤسسة العسكرية قبل الانتخابات أيضا، ورفض ترشح حاملي الجنسيات الأخرى أو أصحاب المناصب العسكرية. قبل الانتخابات، ووصفهم كوبيش بـ “المخربين”.
وقال محللون، إن كلمة كوبيش أمام جلسة مجلس الأمن أكدت أن المجتمع الدولي يعي تمامًا ما يقوم به تنظيم الإخوان، وهى المعركة التي يقودها الإخواني خالد المشري، وقال عنها علنا في تصريحاته على منصة “كلوب هاوس” والتي نشرتها “قورينا” كاملة من قبل أن البيئة السياسية في ليبيا غير مهيئة للانتخابات وإنه حتى لو جرت انتخابات فسيكون من الصعب الاعتراف بها، في تهديد سافر بالانقلاب بالسلاح على نتيجة صناديق الاقتراع.
ووصف الباحث السياسي محمد قشوط، التحركات الإخوانية بأنها محاولة صريحة لـ “تخريب المسار السياسي”، والحل بوضوح في رأيه: اجتثاث العناصر الإخوانية المهيمنة على المناصب القيادية في ليبيا، والاقتداء بتجربة مصر.
والخلاصة.. عبر عقد كامل من الفوضى والسيطرة على المفاصل الاقتصادية والسياسية وتكوين أذرع عسكرية وميليشياوية إرهابية سيطر تنظيم الإخوان على “المسرح السياسي” في ليبيا واليوم يعمل التنظيم نفسه على تفجير أي مسار جديد نحو الانتخابات والتغيير بحجج عدة واتفاقات مشبوهة والدفع بـ “ذرائع ملتوية ومريبة”.