قصة من التاريح

أبو بكر الرازي

قورينا

يسمو العلم ويرتفع برجالٍ يعطونه حقه على أكمل وجه، فمن أراد أن يتخصص في علم فعليه إتقانه، وعليه أن يعمل دائمًا لصالح البشرية أجمعين، فلا ينفرد بهذا العلم لنفسه ويمنعه عن دونه، وهكذا يكون قد أدى حق العلم على صاحبه، وهي زكاة العلم، نتكلم اليوم عن العالم الكبير “أبو بكر الرازي”، صاحب أول مرجع في الطب ظل الأوحد لمدة ربعمائة عام، وذلك المرجع هو كتاب الحاوي في الطب، والذي شمل كل المعلومات الطبيه التي توصل إليها العالم منذ عصر الإغريق إلى عام 925 م، وتم وصفه بأنه أعظم أطباء الإنسانيه على الإطلاق.
من هو؟
هو “أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي”، وُلِد سنة 251 هـ ( 865 م )، في مدينة الري ببلاد فارس.
ولكنه كان يرى أنه لا بد أن يقوم بدراسة الطب في المدن الكبيره المزدحمه حيث الأمراض الكثيره مما يفتح آفاق واسعه للطبيب للتعرف على جميع الأمراض، وبُناء على ذلك انتقل إلى مدينة السلام في أيامه المبكره و تعلم الطب في بغداد، ولكنه فيما بعد رجع إلى موطنه في مدينة الري حيث أرسل له حاكم المدينه دعوه للعوده.
ولم يكتفِ “الرازي” بدراسة الطب فقط، بل ظل ينهل من جميع العلوم في شتى المجالات، فقد قام بدراسة علوم الرياضيات والفلسفه والكيمياء والأدب والعلوم الشرعيه. وقد اشتهر “الرازي” بعلمه العظيم، وعبقريته الفذه خصوصًا في مجال الطب، فقد قام حاكم الري بجعله رئيس مستشفى الري.
لم يكتفي “الرازي” بحصوله على العلم لنفسه فقط، بل أراد نشره للعالم أجمع، فقام بتأليف العديد من الرسائل العلميه في جميع مجالات الأمراض، كما ألف العديد من الكتب في مختلف مجالات الطب بل والعلوم الأخرى الموجوده في عصره، ومنها كتاب المنصور في الطب والمنصور في الطب الروحاني، حيث كان الأول كتاب مرجع في الأمراض الجسديه، والكتاب الثاني للأمراض النفسيه، وتم ترجمة العديد من أعماله إلى اللغه اللاتينيه، وأصبحت أعظم مراجع في الطب حتى القرن السابع عشر.
لم تكن حياة “الرازي” عاديه، بل كان ينشر علمه في كل بلد، فقد عاد “الرازي” إلى بغداد بعد مدة، حيث أصبح رئيسًا لمستشفى المعتضدي الجديد التي أقامها الخلفيه المعتضد بالله.
عاش “الرازي” حياته زاهدًا متقشفًا، نرى ذلك في طريقة كتابته في جميع مؤلفاته، كما أنه كان يتميز بالذكاء العظيم، حيث أنه قد طلب منه إنشاء مشفى، فطلب توزيع عدد من قطع اللحم على عدة أماكن، وظل ينتظر ليرى أي قطعه تفسد أولاً، لم يفهم الناس تلك الطريقه الغريبه، حتى أوضح لهم أنه آخر قطعه لحم تفسد تدل على أقل معدل تلوث في هذا المكان، وقام ببناء المشفى في هذا المكان.
وفي هذا العصر كان الأطباء يعملون بالفلسفه أيضًا، فكانت الفلسفه والطب علمان متكاملان، حيث يتسطيع الأطباء تفسير نظرياتهم الطبيه من خلال استخدام الفلسفه، وكان “الرازي” متأثرًا بفلسفه “سقراط”.
أهم إنجازاته
تميز أيضًا “الرازي” في علمي الفيزياء والكيمياء، حيث أنه في علم الفيزياء كان مهتمًا بحساب الكثافه النوعيه للسوائل، وابتكر ميزان خاص لحسابها سمي الميزان الطبيعي، وفي علم الكيمياء قام بتقسيم المواد المعروفه في هذا العصر إلى 4 أقسام ( معدنيه، نباتيه، حيوانيه، مشتقه).
وقام بتحضير العديد من الأحماض التي مازالت طريقتها في التحضير مستخدمه حتى الآن، وهو أول من قام بتحضير حمض الكبريتيك، وسماه الزاج الأخضر، أو زيت الزاج. وصنف المعادن حسب صفاتها وطبائعها، قام أيضًا بإستخلاص الكحول عن طريق تقطير مواد نشويه وسكريه المتخمره، والذي تم استخدامه في صناعه الأدويه.
أول من ابتكر الخيوط الجراحيه والمراهم، كما ألف العديد في مجال الصيدله وصناعة العقاقير. كانت عدد الكتب التي ألفها “الرازي” أكثر من مئتان كتاب في المجالات المختلفه مثل الطب والفلسفه والكيمياء والتي ترجمت إلى العديد من اللغات الحديثه والقديمه، كما يتم إستخدامها في التدريس في الجامعات الأوروبيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى